H A R D Y المراقب العام
الابراج : الأبراج الصينية : عدد المساهمات : 104 نقاط : 296 مشكور : 10 تاريخ التسجيل : 30/03/2010
| موضوع: أفكار مونديالية 19: من باريرا و براجا إلي دونجا.. فلسفة السامبا المكيافيلية الثلاثاء يوليو 20, 2010 12:45 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]استغللت فرصة الراحة لمدة 48 ساعة من مباريات المونديال بعد انتهاء 56 مباراة من عمر البطولة التي بقي فيها 8 مباريات قبل ان تودعنا ، لأنعم ببعض الراحة والهدوء من كثافة المباريات ومتابعة الاخبارالمونديالية وتفاعل ستوديوهات التحليل والبرامج المميزة في قناة الجزيرة الرياضية والنتائج والتصريحات وردود الفعل سواء في جنوب افريقيا ، أوفي كل بلد صعد منتخبه إلي مرحلة أعلي ، أوغادرعائداً إلي بلاده.. ولكن أصدقكم القول ، لم أِشعر بالراحة أو التقط أنفاسي ، لان الصحف والمواقع الكروية ، لم يهدأ ضجيجها ، والتصريحات لم تتوقف، وردود الافعال لم تنته.. وماكينة الاعلام تواصل الدوران بقوة ، وأصارحكم القول إن رأسي لم تتوقف عن محاولة تنظيم أفكارها للتعليق علي ظواهر او تحليل بعض الاحداث ، او التوصل الي استنتاجات أثيرت في ربوع المونديال حول بعض القضايا الكروية المهمة والمؤثرة في مستقبل اللعبة ، أو التفكير في سيناريوهات مختلفة لوكانت لنا في هذه المرحلة فرق او حتي فريق واحد يسمع من خلاله العالم الذي لا يتكلم الان سوي اللغة الكروية ، صوتنا العربي او الاسلامي .
وأمام هذا الزخم أصابني نوع من الاحباط والسكون السلبي – لوجاز هذا التعبير - فوجدت القلم او بالاحري لوحة مفاتيح "اللاتوب "لا تطاوعني ، وبعد محاولات عديدة أخترت إحدي القضايا التي أعرضها لكم الليلة ، قبل أن أكتب لكم بعد ساعات عن تقديم وتحليل وافكار ماقبل مباريات الثمانية الكبار التي ستبدأ في غضون ساعات .
وربما يشعر الكثيرون ان منتخب السامبا البرازيلي قد اقترب كثيرا من الدائرة الضيقة لترشيحات الفوز باللقب ، ومع عروضه القوية وتماسك دفاعه وتكامل صفوفه وفعالية هجومه ، فإنه يؤكد رويدا رويدا علي وجاهة هذه الترشيحات ، إلا إذا تقمص ميسي روح مارادونا ، أو شاءت أقدار الساحرة المستديرة المزيد من المفاجأت المجنونة في هذه المرحلة التي لم تعد تقنعنا إلا بالمنطق الكروي .
ولكني استغرب شخصيا من عدم قناعة دونجا المدير الفني للبرازيل بفلسفته التدريبية وبما هو مقتنع به وينفذه فعلا كمدرب للسامبا ، وأقصد تبنيه لمبدأ الكرة الواقعية والاهتمام بالدفاع من أجل التمكن من خطف بعض الهجمات التي يمكن من خلالها انتزاع الفوز من المنافسين .. ولدي إجابته على سؤال عن تراجع نوعية لعب المنتخب البرازيلي التي أصبحت أقل جمالية عما قبل ، قال دونجا : (كان جدّي يقول لأبي إن كرة القدم كانت أفضل في الماضي وأنا أقول هذا لإبني، وسيكرر ابني لإبنه نفس الكلام أن كرة القدم كانت أجمل في أيامه ) .. انتهي كلام دونجا الذي أعرفه جيداً وحضرت له أربع او خمس مؤتمرات صحفية العام الماضي خلال كأس العالم للقارات، ووجهت له خلالها خمسة أسئلة علي الاقل وكنت مشاغباً ومهاجماً له أيضا لاني أعرفه كمدافع وسط ملعب يجيد استخلاص الكرات من المنافسين وبدء الهجمات المرتدة !
وهنا يدافع دونجا عن طريقته في اللعب مذكراً بأن الماضي أجمل دائما من الحاضر ، ومع اتفاقي في المضمون العام بأن الماضي ربما كان أحسن من الحاضر ، في الهدوء ونظافة البيئة ، وقلة الزحام ، وأدب الناس ، وتسامح البشر ، وروعة إبداع الادباء والمواهب العظيمة في كل المجالات ، فإن الحاضر أروع في التقدم والتكنولوجيا والاجهزة الحديثة وسرعة الانتقال والاتصال والعولمة والطب والهندسة وكل فروع العلم ، أما كرة القدم في الماضي ، فلم تكن أجمل بكل هذا البطء الذي كانت تعج به ، وفطرية الاداء ومحدودية الحلول التكتيكية ، وضعف اللياقة البدنية والجهل تماما بمستوي المنافسين الغامضين ، صحيح أننا الان لا نمتلك مواهب فذة بحجم بيليه وكرويف ومارادونا وبيكنباور وفان باستن وزيدان ، لكننا نمتلك تكنولوجيا كروية أكثر تطوراً ، ووسائل فعالة لرفع اللياقة والتأهيل والتدريب والاعداد بشكل أفضل ، ويمكن ابداع طرق لعب جديدة ، ومواجهة منافسين أقوي بكفاءة ، كل ذلك لو اهتم المدربون مع استفادتهم بالتكنولوجيا بالمحافظة علي عنصر الجمال والابداع في اللعبة،ولم يهتموا فقط بالمبدأ المكيافيلي القديم في السياسة (الغاية تبرر الوسيلة ) والذي انتقل إلي الملاعب وتحول إلي ( الفوز بأي طريقة ) ، بصرف النظر عن الانخراط في الدفاع وسد المنافذ واللعب السلبي لحين شن هجمة مرتدة تخطف بها هدفاً ، وتحقق بها فوزاً !
ولا أدري لماذا يرضي دونجا لنفسه بتحمل عبء الدفاع عن طريقة لعب البرازيليين الحالية القائمة علي تقوية الدفاع والاهتمام به بنفس درجة الهجوم وربما أكثر ، ليزعم أنه صاحب هذه النظرية أو مخترع هذه الطريقة ، رغم أننا نعرف ان هذا التحول الاستراتيجي لكرة السامبا نحو الدفاع الهجومي ، اكتشفه ولعب به من قبل دونجا كثيرمن المدربين ، وخاصة أستاذه ومدربه كارلوس البرتو باريرا الذي استعاد لقب كأس العالم للبرازيل بعد غياب 24 سنة في مونديال امريكا 1994 ، وكان دونجا نفسه – كلاعب وسط مدافع - أحد أدوات الدفاع البرازيلي الذي يتحول إلي هجوم وتسجيل للاهداف وتحقيق الالقاب بعد ان فشلت السامبا البرازيلية سنوات طويلة في تحقيق النتائح والالقاب واكتفت بتحقيق العروض الفنية الاستعراضية التي ينساها الناس بسرعة ولا يذكرون إلا الفائزين الذين توجوا بالالقاب ورفعوا الكؤوس.
شخصياً لا أري في طريقة لعب البرازيل الممتزج فيها قوة وهيبة الدفاع بالقدرة علي التحول للهجوم الفعال لانتزاع الفوز ، لا أري فيها غضاضة او تدني او تراجع للعرض او "الشو"الكروي ، لان "شو" بلا فوز لا يساوي شيئاً ولا يحقق لقباً ، وكان يجب علي دونجا أن يدافع عن طريقة اللعب التي لم يخترعها ، ولكنه اقتنع بها وطبقها مع فريقه وحقق بها نتائج مبهرة وربما يحقق من خلالها لقب المونديال السادس لبلاده .
وعلي الهامش هناك أقوال أخري لاتتفق مع رؤية دونجا وقناعته مثل بيليه الذي قال :"يعتمد المنتخب البرازيلي الحالي على أسلوب الهجمات المرتدة ولكنه نادرا ما يسيطر على مجريات اللعب بشكل تام".. وشخصياً أرد علي الاسطورة بيليه بسؤال بسيط : هل السيطرة علي مجريات اللعب وامتلاك الكرة تضمن تحقيق الفوز ، والاجابة بالطبع لا ، وراجع فوز صربيا علي المانيا ، وسويسرا علي اسبانيا في المونديال الحالي ..ويبدو أن بيزنس بيليه لم ينتعش في جنوب افريقيا ، فلم يكن له تواجد هناك الا بتصريحات هجومية علي منتخب بلاده ، وقد سعدت بلقاء بيليه مرتين الاولي في مونديال الناشئين عام 1987 بكندا والثانية في اوليمبياد المعاقين عام 1996 باتلانتا ، وكان لي معه بعض الدردشة الصحفية ، وفي المرتين كان مدعوا لمهمات بيزنس ، ورغم عشقي له كاسطورة ، فقد أغضبني هجومه الشرس في كندا 1987 علي مبادرة البرازيل لتنظيم كأس العالم 1994 ، وانحيازه حسب مصلحة أعماله للولايات المتحدة علي حساب بلده ووقتها أتذكر – إن لم تخني الذاكرة – ان البرازيل جاءت في المركز الثالث في التصويت برصيد صوتين بعد الولايات المتحدة والمغرب التي حققت وقتها منافسة رائعة وحصدت عشرة اصوات وهو رصيد لم تصل إليه أبدا في محاولاتها التالية .
وبعيداً عن هذا الاستطراد عن الاسطورة بيليه ، فربما استدعي سابق ردي بتساؤل علي انتقاد بيليه ، وأسوق نفس التساؤل لأرد علي القيصر الألماني فرانز بيكنباور الذي قال قبل بداية المونديال أن المنتخب البرازيلي فقد أسلوب لعبه الهجومي، تحت قيادة دونجا
أما العبقري يوهان كرويف أسطورة كرة القدم الهولندية ، فهو ينتقد و يتساءل ويستنكر غياب الأداء الساحر والاخاذ للمنتخب البرازيلي وينتقد أسلوبه الخططي .. ولكرويف اقول انك كمدرب وخاصة مع برشلونة لم تعتمد علي الاداء الهجومي والاداء الساحر، كما ان طريقة 4-3-3 الهولندية الكلاسيكية لم تعد طريقة هجومية ، فهل طلبت من منتخبات بلدك ان تعدل طريقة اللعب !
وأنهي بواقعة طريفة تخص السامبا وحدثت في سبتمبر 2006 إبان بطولة كأس العالم للاندية باليابان ، و كنت طرفاً فيها مع المدرب البرازيلي آبل براجا مدرب الجزيرة الاماراتي حاليا والمدير الفني السابق لفريق انترناسيونال البرازيلي الذي قاد فريقه وقتها للفوز بالبطولة علي حساب برشلونة بطل اوروبا .. وكان الفريق البرازيلي قد عاني الامرين وتعرض لحرق الدم أمام فريق النادي الاهلي المصري بطل افريقيا في مباراتهما في الدور قبل النهائي والتي انتهت بفوز انترناسيونال 2/1 بصعوبة وبعد معاناة دفاعية امام ضغط كثافة الهجوم الاهلاوي بقيادة أبو تريكة وعماد متعب وفلافيو الذي سجل هدفا جميلا برأسه ليتعادل الفريقان في الدقيقة 54 بعد ان كان البرازيليون قد سيطروا وتقدموا في الشوط الاول بهدف لباتو – كان عمره وقتها 17 سنة – وتألق فريق الاهلي وسيطر في الشوط الثاني وبعد التعادل ، استمر التفوق الاهلاوي وكان براجا في حالة يرثي لها وفريقه في مأزق لم يعمل له حساب ، ولكن خطأ من دفاع الاهلي استغله ناشيء برازيلي آخر اسمه لويس ادريانو أنقذ ماء وجه براجا والسامبا الذي تراصوا للدفاع امام موجات هجوم الاهلي حتي أنقذتهم صافرة الحكم ، فتنفسوا الصعداء.. وفي المؤتمر الصحفي لم ألحظ أن آبل براجا كان ساخناً ومحروقاً دمه من مأزق الاهلي الذي أفلت منه ، إلا عندما وجهت له سؤالي بالانجليزية حيث هنأته بالفوز بشق الانفس والصعود للمباراة النهائية ، إلا أنني استدركت وقلت انني ومعي الملايين من عشاق الكرة البرازيلية افتقدنا الاداء الجميل ولمحات أسلوب السامبا الذي كنا ننتظره من بطل البرازيل ، وفوجئت وأنا أحاول متابعة الترجمة الانجليزية للبرتغالية التي يرد بها ، بوجه الرجل ممتقعاً وهو يوجه كلمات يمتزج فيها الغضب بالسخرية ويمقتني بنظرة حادة ويقول : (نحن نلعب كرة قدم ولانرقص السامبا ، ولو أردت الاستمتاع بالسامبا ، فعليك زيارة ريو دي جانيرو وقت المهرجانات !)، وكان الجميع يضحكون خاصة الصحفيون البرازيليون من سخريته وهو يجيب علي سؤالي ، وكنت ابتسم لانني تأكدت أن الاهلي حرق دمه واستثار غضبه تماما كما استثاره سؤالي البريء !
وبعد اقل من 48 ساعة من هذه الواقعة ، تغلب براجا وفريقه علي برشلونة ورايكارد بنجومه الكبار وعلي رأسهم البرازيلي رونالدينيو معتمداً علي كرة دفاعية خالية من المتعة والشو والاستعراض مؤكداً مكيافيلية كرة القدم العالمية .. والمهم الفوز ولو بأي وسيلة !
وإذا كان لازاروني وباريرا ، قد ابتدعا الكرة الدفاعية للبرازيل في التسعينيات وحقق بها باريرا لقب كأس العالم ، واذا كان آبل براجا قد حقق آخر إنجاز للكرة البرازيلية عام 2006 ، فليس علي دونجا أن يزعم أنه مؤسس أو مُنظر ، لهذا الاتجاه ، بل هو مجرد متبع لفلاسفة الكرة المكيافيلية في ربوع السامبا | |
|